في الوقت الذي تزداد فيه دعوات الاحتلال الكامل لغزة، يبرز تحليل آرون ديفيد ميلر، الزميل البارز في برنامج الدولة الأمريكية بمؤسسة كارنيجي، ليقترح أن الحل لا يكمن في إعادة احتلال القطاع، بل في تبني استراتيجية "الكل مقابل الكل".
اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، بما في ذلك المناطق التي يُعتقد أن الرهائن محتجزون فيها، وقد أيّد مسؤولون سياسيون وأمنيون في إسرائيل هذه الخطة. رغم أن الجيش لا يرغب في تحمل عبء السيطرة الكاملة على القطاع، فإن التفاصيل المتوفرة حول هذا المخطط ضئيلة.
ومع قبول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الظاهر للفكرة—قائلًا: "هذا الأمر متروك إلى حد كبير لإسرائيل"—تُطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة مجرد وسيلة ضغط على حماس لقبول صفقة تبادل جديدة، أم أنها تحول جذري في السياسة الإسرائيلية.
تشير مؤسسة كارنيجي إلى أن هذا النهج، سواء كان تكتيكًا مؤقتًا أو خطة طويلة الأمد، ينذر بالمزيد من المعاناة للرهائن وأسرهم، وللسكان المدنيين في غزة. القوة العسكرية فشلت حتى الآن في تدمير حماس أو دفعها للإفراج عن الرهائن. وإعادة احتلال القطاع قد تدفع إسرائيل إلى مستنقع مقاومة طويلة الأمد.
طرح نتنياهو خطته تزامنًا مع تقارير عن أن إدارة ترامب تدرس الانتقال من نهج تدريجي للإفراج عن الرهائن إلى استراتيجية "الكل مقابل الكل". هذا النموذج يقوم على وقف كامل للأعمال القتالية، وتبادل جميع الرهائن مقابل عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، إلى جانب زيادة كبيرة في المساعدات الإنسانية إلى غزة، ووضع جدول زمني لانسحاب إسرائيل مرتبط بانتشار قوة عربية مؤقتة لضمان الأمن والحكم.
رغم أن تنفيذ هذه الخطة يبدو منطقيًا، فإن التزام إدارة ترامب بها غير واضح حتى الآن. ويتطلب الأمر أيضًا ما ظلت الإدارة ترفضه: خطة متكاملة لما بعد الحرب تشمل السلطة الفلسطينية، ودولًا عربية أساسية، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبالطبع إسرائيل. كان ينبغي دراسة هذا النموذج قبل عام، حين كانت إسرائيل ترى أنها أضعفت قدرات حماس العسكرية.
حتى لو نجحت هذه الخطة، فإن خطر العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل هجوم حماس في أكتوبر 2023 سيظل قائمًا، ما لم تُعالج جذور الصراع بين إسرائيل وحماس، والصراع الأوسع مع الفلسطينيين.
أي نهاية مستدامة للحرب تتطلب إجابة عن أربعة أسئلة حاسمة: من سيحكم غزة مؤقتًا وعلى المدى الطويل؟ من سيوفر الأمن ويطبق النظام؟ من سيمول عملية إعادة الإعمار ويشرف عليها؟ وما هو المسار السياسي الممكن الذي قد يفتح بابًا نحو مستقبل أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين؟
تحقيق هذه الأهداف سيكون أكثر تعقيدًا من مجرد التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار أو صفقة تبادل رهائن. النهج الحالي استُنزف، إذ بات لعبة صفرية مطولة؛ حماس تسعى للبقاء، والحكومة الإسرائيلية تطيل التفاوض أملًا في نصر شامل. في المقابل، يعاني الرهائن في ظروف قاسية، ويواجه المدنيون في غزة جوعًا وصدمات متكررة.
الوضع اليوم أصعب بكثير. فغزة مدمرة، وسكانها يعانون من المجاعة وسوء التغذية. الحكومة الإسرائيلية أكثر ميلًا للاحتلال، ونتنياهو يفكر في ضم القطاع مستقبلًا. أما ترامب، رغم حديثه عن السلام، لم يقدّم حتى الآن رؤية واضحة أو خطة واقعية.
لذا، على الرئيس الأميركي أن يستثمر علاقته بنتنياهو للضغط من أجل وقف الحرب، والانسحاب بشروط آمنة، والبدء في إعادة الإعمار. أثبتت إسرائيل أنها قوية بما يكفي للدفاع عن نفسها، والآن عليها إثبات أنها قادرة على تجاوز الانقسامات الداخلية وبناء مجتمع ديمقراطي تعددي.
إنهاء الحرب سريعًا، وتحرير الرهائن، ورفع المعاناة عن الفلسطينيين، ليس فقط هدفًا إنسانيًا، بل خطوة استراتيجية تفتح الباب أمام تغييرات إقليمية تخدم مصالح الأميركيين والإسرائيليين والعرب على المدى الطويل. من بينها: تثبيت وقف إطلاق النار في لبنان، ودعم الحكومة اللبنانية، ودفع التغيير الإيجابي في سوريا، وتعزيز تحالفات واشنطن مع مصر والأردن والسعودية والخليج، وربما استئناف جهود التطبيع بين إسرائيل والعرب، بالإضافة إلى مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تُغذي التطرف.
هل يمكن تحقيق كل هذا؟ ربما. لكن بالتأكيد لن يتحقق من خلال احتلال إسرائيلي لغزة. وإنما قد يبدأ من خلال استراتيجية "الكل مقابل الكل" الذكية والمستدامة، بشرط توافر القيادة والإرادة، خصوصًا من الولايات المتحدة وإسرائيل. وإذا لم تُمارس الضغوط اللازمة، فسيبدو "اليوم التالي في غزة" مجرد نسخة جديدة من الأيام الدامية التي سبقته.
https://carnegieendowment.org/emissary/2025/08/israel-gaza-ceasefire-aid-hostages-strategy?lang=en